كنت أتساءل ما الذي جعل يوليسيس أو دون كيخوته أعمالا أدبية
ناجحة ؟ و مالذي جعل قصائد شكسبير لا تتقادم ؟ ما الذي يجعل عملا ادبيا ما عملا
جيدا أو عملا ردئيا؟. معايير معينة تخضع لها كل الأنواع منها الجدة والابتكار, الطرح
الجيد, التماسك, الوحدة الشكلية, الإبداع الفني وغيرها مع أن لمختلف الثقافات
معايير متباينة لتقرير ما الأدب الجيد وما الأدب الرديء إلا أننا نكتشف دائما أن
الأعمال الرفيعة هي التي اتفق القراء على جودتها بغالبيتهم.
ووجود ضوابط
معينة تمثل حد أدنى لاعتبار العمل الأدبي
ناجح وعابر لحدود زمانه ومكانه لايعني أن كل جوانب النجاح في العمل تم ضبطها
ومعرفتها لأنه في كل مرة يُقرأ فيها العمل الأدبي قد يظهر شيئا جديدا كان سبب بقاء
ونجاح العمل. لكننا قد نجد بشكل عام أن
تلك الأعمال التي توصف بالأدب الرفيع أو الجيد والتي تحصل على اتفاق بجودتها في الغالب هي ما تناولت ملامح التجربة
الإنسانية التي تتصف بالدوام والتي لا تتغير
ولا تفنى , تلك الموضوعات العابرة للزمان والحدود الجغرافية, في الفرح والمعاناة
والألم والموت والعاطفة, أو التي تناولت أسئلة كبرى منها الفلسفي و الفكري. بينما
الأعمال التي كانت موضوعاتها محلية أو وقتية أو ماجرياتية فإنها تنسى, جودتها من
عدمها هي مؤقتة. لذلك نجد القصائد العربية
التي يكون موضوعها المدح والهجاء المتعلق بشخصية معينة مثلا لا تلقى من الإهتمام
ما يلقاه الشعر الذي كان موضوعه انساني بحت من الشعر الذي كان غرضه الغزل أو
الرثاء أو فلسفة الشاعر عن حياته . فالتجربة الشعورية لشاعر مثل المعري هي أول ما يتوارد
إلى أذهاننا عن شعره وما كتب ولا نتذكر وقتها ولا نتساءل ما إذا كان المعري قد كتب
في فترة من فترات حياته شيئا مختلفا , مع ذلك لا يمكن أن يكون هذا المعيار مطلقا ,
فليس كل من كتب في هذه الموضوعات تم لعمله النجاح والبقاء .
قد يكون أيضا من
المعايير التي ترد على ذهن أي متساءل هو مدى تعقيد العمل وامتناعه , وفرضية مثل أن
الأدب الجيد يصعب فهمه ترد في ذهن بعض القراء , إلا أننا لا يمكن أن نستعمل هذا
المعيار دائما , لأن الأعمال الجيدة لاتقاس بتعقيدها فالغرائبي والمخيالي
والسريالي والرمزي المركب غالبا ماتكون أعمالا نخبوية على هامش التأثير والوصول , لايمكن
تجاوز بساطة الصياغة مع عمق الفكرة في آن كميزة ترفع بالعمل الأدبي إلى مرتبة
الأدب الرفيع أكثر من التعقيد والتركيب الذي يجعل قراءة العمل بالنسبة للقارئ جهدا
شاقا .
واللغة والخاصية
اللغوية للعمل تحتل مكانتها أيضا , لكن هل ترفع بالعمل وتهوي به بمفردها ؟ لاشك
بأنها ركيزة مهمة لأي عمل فاللغة هي مادة الأديب والكاتب كلما كان أكثر قدرة على
توفيرها لمصنعه وورشته الكتابية و كان قادرا على تشكيلها جيدا كلما ارتقى بعمله , ولنا في فن المقامات العربية مثال , فالذي يميز هذا
النوع من الأدب هو التعقيد اللغوي والإنتقاء اللفظي, والاعتماد عليهما في رفع
العمل كبير. بيد أن هناك اعمالا أدبية جيدة لم تستخدم اللغة باحترافية ولم يكتب
أصحابها بأسلوب لغوي متفرد , بل كان الاعتماد فيها على توظيف كلام بسيط وواضح , فلغة جورج اوريل في رواياته مثلا ليست باللغة
الفخمة التي تجدها مثلا في كتابات جاين اوستن.
إلا أنه بلاشك ينبغي أن تكتب الأعمال الأدبية كتابة جيدة, تتفاوت تلك
الجودة ومكانتها في الرفع بالعمل بحسب
تكامل الخصائص الأخرى في العمل الأدبي .
ومع
كل المعايير والضوابط والتقييمات والجوائز التي تصنف الأعمال الأدبية وترفع بعضها
وتقصي الآخر, إلا أن المساحة تتسع لكل قارئ , فيبقى له أن يحدد بنفسه مالجيد الذي
يراه في عمل أدبي ما والسيء بدون أن يخجل أو يستنقص من رأيه وأدواته , لأن ميزة
الأدب الأولى هي مرونة العمل وتقبله لكل قراءة وخضوعه لكل رأي تساوى في ذلك الناقد
الكبير والقارئ البسيط.- مقالة لي نشرت في العدد السادس من مجلة قوارئ
رابط العدد : https://t.co/9UvUg7OrIf
تعليقات
إرسال تعليق