رغم كل التحفظ الذي ينتابني من قراءة الأدب الأجنبي ورغم كل أسئلتي الملحة : هل نفهمه ؟ هل نستوعبه ؟ وشكي في ذلك . إلا أن تجربة القراءة العميقة تجعلك على يقين من شيء واحد على الأقل : قراءة العمل الأدبي تجربة شخصية لا أكثر نتائجها شخصية ودلائلها شخصية بحتة . عند الحديث عن فرجينيا لايمكن تجاوز براعة أسلوبها في الوصف , وفي تفرد شخصياتها , السيدة دالاوي واحد من الأدلة على ذلك . ذلك أنها تشدك , ثم تستفزك ليس فقط بواقعية الأحداث التي تبني من خلالها شخصياتها وإنما إن استطعت القول بتفاهة تلك الأحداث وهامشيتها .والإسهاب فيها , جعلها محورية ومركزية على مستويات متفاوتة.مهما وصلت الواقعية في الكتابة إلى مستوى عال من الدقة ومن التطبيق فهي لاتمثل الواقع كما تقول فرجينيا إلا من جهة واحدة , من وجهة الكاتب فقط من الجهة التي تراها عينه .
السيدة دالاوي أو كلاريسيا هي محور هذه الرواية وعلاقتها ببيتر هي العقدة -على الأقل هذا مافهمته - .كل الأحداث كانت من زواية ما تعني السيدة دالاوي ,تتناول الرواية يوم واحد في حياة السيدة دالاوي والأبطال الآخرين , يوم واحد فقط امتلأ بكل هذه التفاصيل . تبدأ الرواية بفاتحة وموقف لايفهم إلا بعد أن يكتمل المشهد في ذهن القارئ , بعد أن يقرأ كل الأحداث ويلم بكل التفاصيل ويعود مرة أخرى . مشهد عادي جدا عندما تقرأه للوهلة الأولى ,عميق و رمزي جدا عندما تعود إليه بعد ذلك وذلك هو دأب فرجينيا في الكتابة . فرجينيا في الكتابة لاتترك التفاصيل مهمشة أو متجاوزة , ولاتجعلك بإسهابها في التفاصيل تمل , بل تجعلك تتساءل بعد كل فقرة هل انتهت؟ هل انتقلت ؟ لأنها تغوص عميقا في كل جملة وتأخذك في رحلة الغوص الجميلة تلك.
مس دالاوي أو كلاريسا بخيلائها في علاقتها مع رتشارد زوجها , وعجرفتها التي تظهر في علاقتها مع بيتر ومسكنتها في علاقة الأم وابنتها شخصية تتضاربها الأمزجة والأفكار . البرجوازية الخمسينية تلك تجعلك تتساءل : هل هذا التضارب هو حلة الخمسين ومرحلة من الانتقال تحتاج إلى فهم واستيعاب ؟ انتقال من نصف ملئ بالشباب والصحة والجمال إلى نصف قد لايكتمل وهو ملئ بالمتاعب والأمراض والوحدة ؟ ربما .
علاقة كلاريسا أو مس داولاي ب ريتشارد زوجها علاقة غريبة , ليست صحية تماما وليست سيئة تماما , لكنها تخضع لترتيبات مميزة ..معايير الاستقلالية , الهدوء , الانضباطية حاضرة أكثر من أي شيء آخر ,كلاريسا تقول : في الزواج يجب أن يتوافر ثمة ترخيص بسيط , استقلال بسيط , بين أناس يعيشون معا يوما بعد يوم في بيت واحد " تكمل : أين هو هذا الصباح مثلا ؟ في لجنة ما .. لم تسأل أبدا ماهي ." بمثل مقدار الاستقلالية الذي تقدم تأخذ . علاقة باردة نوعا ما , مضمونة ومثالية . يبقى الحال على هذا الهدوء حتى يعود بيتر صديق طفولتها وشبابها , لاتقول لك فرجينيا مباشرة أنهما يحبان بعضهما , أنهما يحملان مشاعر لم تنضب رغم مرور السنين وتبدل الأحول لكنك وبعد أن تنتهي , تتساءل ؟ ماهو موضوع الرواية ؟ ماهي العقدة التي بنت عليها فرجينيا هذه الحبكة , تعود لتكتشف بنفسك أنها قصة حب معقدة ! هذه هي براعة فرجينيا وهذه هي موهبتها , رغم أنها تسهب بك بعيدا في كل صغيرة إلا أنها لاتكشف لك المغزى الكلي , و موضوع القصة .
سبتيموس وزوجته : حالة صراع بين زوج يظهر أنه مريض نفسي , نفسية مابعد الحرب , وزوجة مناضلة . تركض خلف أوهام شفائه والعودة للإستقرار , نضال يعبر عن ضعفها وقلة حيلتها , عن مايحتمل النساء لأزواجهم , عن العاطفة التي لاتنضب . عن قسوة الرجل وأنانيته . علاقة تستشف منها قدر هائل من الإيحاءات وشخصيتين في محلهما تماما من الصراع الذي يحدث في الرواية, علاقة أضافت الكثير ووازنت بين طرفي القضية .
هناك مقاطع لابد أن تسوقفك لتقرأها مرتين , وأحيانا ثلاثة , دقة الوصف وروعته تحتم ذلك , سأحاول كتابة البعض هنا , رغم أني بهذه الطريقة أقتطع النص من سياقه لكن لعل من يقرأها يعتبرها دعوة جدية محمسة لقراءة هذا العمل الرفيع .
عن كلاريسا :"كم من المرات رأت فيها وجهها , ودائما بالتقلص ذاته الذي لايمكن إدراك كنهه , انها تزم شفتيها حين تنظر في المرآة وذلك لتعطي وجهها خاصية تلك هي بنفسها - ثاقبة , أشبه شيء بالسهم المارق واضحة . تلك هي بنفسها عندما تكون دعوة ما بأن تكون كما هي , تقوم بتجميع الأجزاء بعضها إلى بعض وهي وحدها تعلم شدة تباين هذه الأجزاء وتنافرها , فتؤلفها هكذا من أجل الآخرين فقط مجموعة في مركز واحد , في ماسة واحدة , في امرأة واحدة تجلس في صالة الاستقبال فتخلق نقطة التقاء , تخلق بلا ريب اشعاعا في بعض النفوس الخامدة , ملجأ ربما يلجأ إليه المستوحد , لقد عاونت شبانا كانوا ممتنين من جميلها , حاولت أن تكون هي هي دائما , دون أن تبدي شيئا ينبئ بجوانبها الأخرى -العيوب , الغيرة , الغرور , الشك ..."
"ليس هناك أسوأ لبعض النساء من الزواج ومن السياسة "
" لكن الغرور الذي لايقهر ويصرع دائما الحشود المناهضة له , النهر الذي يقول امض , امض , ومع أن الغرور الذي لايقهر يقر بأننا قد لايكون لنا هدف على الإطلاق , إلا أنه يقول امض امض هذا الغرور الذي لايقهر قد بث في خديها لونا , جعلها تبدو فتية جدا , وردية جدا , لامعة العينين جدا "
" دار في فكر بيتر : إن مستقبل الحضارة مودع في ايدي شبان على هذه الشاكلة , شبان من مثل ماكان هو عليه , قبل ثلاثين سنة خلت , بحبهم المبادئ المجردة شبان يطلبون كتبا ترسل إليهم طول المسافة من لنن إلى قمة الهمالايا , يقرأون العلم ويقرأون الفلسفة .قال في خاطره إن المستقبل مودع في أيدي شباب على هذه الشاكلة .
عن بيتر أيضا " شعر أن باطن عقله يتسطح كمستنقع , وأطبقت عليه ثلاث عواطف عظيمة , التفهم عمل الخير , وأخيرا ابتهاج رهيف لايكبح كما لو أنها من أجل الآخرين , كأن في باطن عقله يدا أخرى سحبت الخيوط وفتحت المغاليق , وأنه وهو الذي لاعلاقة له بالأمر قد وقف مع هذا عند مفتتح جادات لاتنتهي لو شاء جلس فيها , لم يشعر منذ سنين بهذا القدر من الفتوة " .
" غلالة أثر غلالة , بدت المرأة التي فكر فيها بيتر على الدوام , شابة لكن مهيبة , مرحة لكنها متحفظة , سمراء لكنها فاتنة " .
" هناك لحظات تبدو له فيها الحضارة حتى من هذا النمط , غالي كأنها ملك شخصي , لحظات من الفخر بانجلترا بحاشية الخدم والحشم , بالكلاب الصينية , بالفتيات وهن آمنات . بدا له أن الأطباء ورجال الأعمال والنساء القديرات وكلهم يقومون بأعمالهم الكل يراعون المواقيت , يقظون أشداء , انما يمثلون شيئا رائعا , وأن هؤلاء طيبون يأتمنهم المرء على حياته "
يفكر بيتر في السيدة دالاوي وابنتها " تحاول ان تبرهن كأغلب الأمهات أن الأشياء ليست ماهي عليه , والابنة بدا له أنها تتكل على فتنتها أكثر مما ينبغي وتبالغ في ذلك "
" انه وهو الملحد في دينه ربما , يؤخذ على حين غرة بلحظات من التجلي الفائق , وهو يرى أن لاشيء يوجد خارجنا سوى الحالة العقلية , سوى الرغبة بالسلوان , بالفرج , بشيء ما خارج هؤلاء الأقزام التعساء , خارج هؤلاء النساء والرجال الهزيلين القبيحين الجبناء "!
" ذهب إلى العشاء متأخرا بعض الشيء بفكرة غبية هي أن يلفت إليه الأنظار "
" الجميع يتخلون عن شيء ما حين يتزوجون !"
عن سبتيموس وزجته " فجأة وهما يقفان عند النهر في أوج لحظات سعادتهما (الآن سنقتل أنفسنا ) قال . ونظر إلى الماء نظرة كانت قد رأتها في عينيه حين يمر قطار أو باص - نظرة وكأن شيئا قد فتنه "
عن بيتر " إنه لايزال وهو في عمره كأنه فتى بل كأنه فتاة , تراوده المتقلبات المتوالية في المزاج " أيام حسنة , أيام سيئة . بدون سبب على الإطلاق , السعادة لمرأى وجه حسن التعاسة التامة لمشهد امرأة رثة الملبس "
" كانت السنوات الخمس التي غاب فيها عن الوطن هامة جدا بالنسبة إليه . الناس بدو مختلفين , الجرائد مختلفة . هناك مثلا الآن رجل يكتب بصراحة تامة في صحيفة أسبوعية محترمة عن المراحيض. هذا مالم تكن تستطيع فعله قبل خمس سنين -أن تكتب عن المراحيض بصحيفة اسبوعية محترمة - ومن ثم عادة استخدام احمر الشفاه والمساحيق والتزين أمام الناس ! تواصل الشبان والفتيات على المكشوف بدون أن يكونا مخطوبين , الكثير والكثير "
"قالت إنه عينة نموذجية لنمط خريجي المدارس الخاصة , مامن بلد سوى انجلترا يستطيع أن ينتجه "
"ذلك أن هيو من بين جميع الناس الذين عرفهم اطلاقا كان أكثرهم تنفجا -خنوعا- لا , إنه لايتمسح بالأذيال بمعنى الكلمة , فهو من الاعتداد المتكلف بالنفس بحيث لاينحدر إلى هذا المستوى . قرينه الصحيح هو خادم خاص من الطراز الأول -شخص يسير إلى الوراء حاملا حقائب , يمكن الوثوق به لإرسال برقيات "
" السيدة هيو تخلت أحيانا عن المظاهر , كانت امرأة من أولئك النساء الضيئلات المغمورات الشبيهات بالفئران واللاتي يعجبن بالرجال الكبار . إنها تكاد تبدو تافهة . والمسائل الجادة هي أكثر من طاقتها بعض الشيء إنها مسائل تجعل الجو ثقيلا ".
" ماكانت تقوله هو أنها تكره كل امرأة رثة الثياب وكل رجل محافظ رجعي . وكل فاشل . كانت ترى أنه لايحق للناس التسكع مترهلين وأيديهم في جيوبهم , انهم يجب أن يفعلوا شيئا وأن يكونوا شيئا "
" كان عليها وهي بضعف ذكاء زوجها أن ترى الأشياء من خلال عينيه , وهي احدى كوارث الحياة الزوجية , انها يجب عليها دائما على استقلال عقلها أن تقتبس كلام رتشارد فتستشهد به . هذه الحفلات مثلا كلها من أجله أو من أجل فكرته عنها ."
" وراء كل تلك الشبكة من الزيارات وترك البطاقات وإظهار اللطف للناس والركض هنا وهناك , باقات الزهور الهدايا الصغيرة , -إن فلانة الفلانية ذاهبة إلى فرنسا يجب أن يكون لديها وسادة هوائية - هذه الأمور تمتص قواها امتصاصا حقيقا ,لكنه تفعله بصميمة وبسليقة طبيعية "
" ياله من شكسبير هذا , كيف يشمئز من الانسانية -ارتداء الملابس , انجاب الأطفال , قذارة الفم والبطن , ذلك قد انكشف لسبيموس الآن , الرسالة السرية التي ينقلها جيل إلى آخر بصورة متنكرة هي الاشمئزاز والكراهية واليأس . دانتي على الشاكلة نفسها"
" إذن فإنه مهجور , العالم كله يتنادى : اقتل نفسك , اقتل نفسك , . لكن لماذا يقتل نفسه من أجلهم ؟ الطعام لذيذ , الشمس حارة وهذا القتل للنفس كيف للمرء أن يدبره ؟ بسكينة أكل ببشاعة مع طوفان من الدم , بمص أنبوب الغاز ؟ إنه ضعيف جدا لايكاد يستطيع رفع يده !"
هكذا أخذتني فرجينيا في رحلة من أجمل رحلات قراءة رواية منذ فترة طويلة . يقال أن هذه الرواية أحد أسباب شهرة فرجينيا وقيمتها في عالم الأدب الانجليزي خاصة َ. والترجمة التي حصلت عليها بارعة ودقيقة وجميلة كما تلاحظ في الاقتباسات و كما شهد لها جبرا ابراهيم جبرا .
علاقة كلاريسا أو مس داولاي ب ريتشارد زوجها علاقة غريبة , ليست صحية تماما وليست سيئة تماما , لكنها تخضع لترتيبات مميزة ..معايير الاستقلالية , الهدوء , الانضباطية حاضرة أكثر من أي شيء آخر ,كلاريسا تقول : في الزواج يجب أن يتوافر ثمة ترخيص بسيط , استقلال بسيط , بين أناس يعيشون معا يوما بعد يوم في بيت واحد " تكمل : أين هو هذا الصباح مثلا ؟ في لجنة ما .. لم تسأل أبدا ماهي ." بمثل مقدار الاستقلالية الذي تقدم تأخذ . علاقة باردة نوعا ما , مضمونة ومثالية . يبقى الحال على هذا الهدوء حتى يعود بيتر صديق طفولتها وشبابها , لاتقول لك فرجينيا مباشرة أنهما يحبان بعضهما , أنهما يحملان مشاعر لم تنضب رغم مرور السنين وتبدل الأحول لكنك وبعد أن تنتهي , تتساءل ؟ ماهو موضوع الرواية ؟ ماهي العقدة التي بنت عليها فرجينيا هذه الحبكة , تعود لتكتشف بنفسك أنها قصة حب معقدة ! هذه هي براعة فرجينيا وهذه هي موهبتها , رغم أنها تسهب بك بعيدا في كل صغيرة إلا أنها لاتكشف لك المغزى الكلي , و موضوع القصة .
سبتيموس وزوجته : حالة صراع بين زوج يظهر أنه مريض نفسي , نفسية مابعد الحرب , وزوجة مناضلة . تركض خلف أوهام شفائه والعودة للإستقرار , نضال يعبر عن ضعفها وقلة حيلتها , عن مايحتمل النساء لأزواجهم , عن العاطفة التي لاتنضب . عن قسوة الرجل وأنانيته . علاقة تستشف منها قدر هائل من الإيحاءات وشخصيتين في محلهما تماما من الصراع الذي يحدث في الرواية, علاقة أضافت الكثير ووازنت بين طرفي القضية .
هناك مقاطع لابد أن تسوقفك لتقرأها مرتين , وأحيانا ثلاثة , دقة الوصف وروعته تحتم ذلك , سأحاول كتابة البعض هنا , رغم أني بهذه الطريقة أقتطع النص من سياقه لكن لعل من يقرأها يعتبرها دعوة جدية محمسة لقراءة هذا العمل الرفيع .
عن كلاريسا :"كم من المرات رأت فيها وجهها , ودائما بالتقلص ذاته الذي لايمكن إدراك كنهه , انها تزم شفتيها حين تنظر في المرآة وذلك لتعطي وجهها خاصية تلك هي بنفسها - ثاقبة , أشبه شيء بالسهم المارق واضحة . تلك هي بنفسها عندما تكون دعوة ما بأن تكون كما هي , تقوم بتجميع الأجزاء بعضها إلى بعض وهي وحدها تعلم شدة تباين هذه الأجزاء وتنافرها , فتؤلفها هكذا من أجل الآخرين فقط مجموعة في مركز واحد , في ماسة واحدة , في امرأة واحدة تجلس في صالة الاستقبال فتخلق نقطة التقاء , تخلق بلا ريب اشعاعا في بعض النفوس الخامدة , ملجأ ربما يلجأ إليه المستوحد , لقد عاونت شبانا كانوا ممتنين من جميلها , حاولت أن تكون هي هي دائما , دون أن تبدي شيئا ينبئ بجوانبها الأخرى -العيوب , الغيرة , الغرور , الشك ..."
"ليس هناك أسوأ لبعض النساء من الزواج ومن السياسة "
" لكن الغرور الذي لايقهر ويصرع دائما الحشود المناهضة له , النهر الذي يقول امض , امض , ومع أن الغرور الذي لايقهر يقر بأننا قد لايكون لنا هدف على الإطلاق , إلا أنه يقول امض امض هذا الغرور الذي لايقهر قد بث في خديها لونا , جعلها تبدو فتية جدا , وردية جدا , لامعة العينين جدا "
" دار في فكر بيتر : إن مستقبل الحضارة مودع في ايدي شبان على هذه الشاكلة , شبان من مثل ماكان هو عليه , قبل ثلاثين سنة خلت , بحبهم المبادئ المجردة شبان يطلبون كتبا ترسل إليهم طول المسافة من لنن إلى قمة الهمالايا , يقرأون العلم ويقرأون الفلسفة .قال في خاطره إن المستقبل مودع في أيدي شباب على هذه الشاكلة .
عن بيتر أيضا " شعر أن باطن عقله يتسطح كمستنقع , وأطبقت عليه ثلاث عواطف عظيمة , التفهم عمل الخير , وأخيرا ابتهاج رهيف لايكبح كما لو أنها من أجل الآخرين , كأن في باطن عقله يدا أخرى سحبت الخيوط وفتحت المغاليق , وأنه وهو الذي لاعلاقة له بالأمر قد وقف مع هذا عند مفتتح جادات لاتنتهي لو شاء جلس فيها , لم يشعر منذ سنين بهذا القدر من الفتوة " .
" غلالة أثر غلالة , بدت المرأة التي فكر فيها بيتر على الدوام , شابة لكن مهيبة , مرحة لكنها متحفظة , سمراء لكنها فاتنة " .
" هناك لحظات تبدو له فيها الحضارة حتى من هذا النمط , غالي كأنها ملك شخصي , لحظات من الفخر بانجلترا بحاشية الخدم والحشم , بالكلاب الصينية , بالفتيات وهن آمنات . بدا له أن الأطباء ورجال الأعمال والنساء القديرات وكلهم يقومون بأعمالهم الكل يراعون المواقيت , يقظون أشداء , انما يمثلون شيئا رائعا , وأن هؤلاء طيبون يأتمنهم المرء على حياته "
يفكر بيتر في السيدة دالاوي وابنتها " تحاول ان تبرهن كأغلب الأمهات أن الأشياء ليست ماهي عليه , والابنة بدا له أنها تتكل على فتنتها أكثر مما ينبغي وتبالغ في ذلك "
" انه وهو الملحد في دينه ربما , يؤخذ على حين غرة بلحظات من التجلي الفائق , وهو يرى أن لاشيء يوجد خارجنا سوى الحالة العقلية , سوى الرغبة بالسلوان , بالفرج , بشيء ما خارج هؤلاء الأقزام التعساء , خارج هؤلاء النساء والرجال الهزيلين القبيحين الجبناء "!
" ذهب إلى العشاء متأخرا بعض الشيء بفكرة غبية هي أن يلفت إليه الأنظار "
" الجميع يتخلون عن شيء ما حين يتزوجون !"
عن سبتيموس وزجته " فجأة وهما يقفان عند النهر في أوج لحظات سعادتهما (الآن سنقتل أنفسنا ) قال . ونظر إلى الماء نظرة كانت قد رأتها في عينيه حين يمر قطار أو باص - نظرة وكأن شيئا قد فتنه "
عن بيتر " إنه لايزال وهو في عمره كأنه فتى بل كأنه فتاة , تراوده المتقلبات المتوالية في المزاج " أيام حسنة , أيام سيئة . بدون سبب على الإطلاق , السعادة لمرأى وجه حسن التعاسة التامة لمشهد امرأة رثة الملبس "
" كانت السنوات الخمس التي غاب فيها عن الوطن هامة جدا بالنسبة إليه . الناس بدو مختلفين , الجرائد مختلفة . هناك مثلا الآن رجل يكتب بصراحة تامة في صحيفة أسبوعية محترمة عن المراحيض. هذا مالم تكن تستطيع فعله قبل خمس سنين -أن تكتب عن المراحيض بصحيفة اسبوعية محترمة - ومن ثم عادة استخدام احمر الشفاه والمساحيق والتزين أمام الناس ! تواصل الشبان والفتيات على المكشوف بدون أن يكونا مخطوبين , الكثير والكثير "
"قالت إنه عينة نموذجية لنمط خريجي المدارس الخاصة , مامن بلد سوى انجلترا يستطيع أن ينتجه "
"ذلك أن هيو من بين جميع الناس الذين عرفهم اطلاقا كان أكثرهم تنفجا -خنوعا- لا , إنه لايتمسح بالأذيال بمعنى الكلمة , فهو من الاعتداد المتكلف بالنفس بحيث لاينحدر إلى هذا المستوى . قرينه الصحيح هو خادم خاص من الطراز الأول -شخص يسير إلى الوراء حاملا حقائب , يمكن الوثوق به لإرسال برقيات "
" السيدة هيو تخلت أحيانا عن المظاهر , كانت امرأة من أولئك النساء الضيئلات المغمورات الشبيهات بالفئران واللاتي يعجبن بالرجال الكبار . إنها تكاد تبدو تافهة . والمسائل الجادة هي أكثر من طاقتها بعض الشيء إنها مسائل تجعل الجو ثقيلا ".
" ماكانت تقوله هو أنها تكره كل امرأة رثة الثياب وكل رجل محافظ رجعي . وكل فاشل . كانت ترى أنه لايحق للناس التسكع مترهلين وأيديهم في جيوبهم , انهم يجب أن يفعلوا شيئا وأن يكونوا شيئا "
" كان عليها وهي بضعف ذكاء زوجها أن ترى الأشياء من خلال عينيه , وهي احدى كوارث الحياة الزوجية , انها يجب عليها دائما على استقلال عقلها أن تقتبس كلام رتشارد فتستشهد به . هذه الحفلات مثلا كلها من أجله أو من أجل فكرته عنها ."
" وراء كل تلك الشبكة من الزيارات وترك البطاقات وإظهار اللطف للناس والركض هنا وهناك , باقات الزهور الهدايا الصغيرة , -إن فلانة الفلانية ذاهبة إلى فرنسا يجب أن يكون لديها وسادة هوائية - هذه الأمور تمتص قواها امتصاصا حقيقا ,لكنه تفعله بصميمة وبسليقة طبيعية "
" ياله من شكسبير هذا , كيف يشمئز من الانسانية -ارتداء الملابس , انجاب الأطفال , قذارة الفم والبطن , ذلك قد انكشف لسبيموس الآن , الرسالة السرية التي ينقلها جيل إلى آخر بصورة متنكرة هي الاشمئزاز والكراهية واليأس . دانتي على الشاكلة نفسها"
" إذن فإنه مهجور , العالم كله يتنادى : اقتل نفسك , اقتل نفسك , . لكن لماذا يقتل نفسه من أجلهم ؟ الطعام لذيذ , الشمس حارة وهذا القتل للنفس كيف للمرء أن يدبره ؟ بسكينة أكل ببشاعة مع طوفان من الدم , بمص أنبوب الغاز ؟ إنه ضعيف جدا لايكاد يستطيع رفع يده !"
هكذا أخذتني فرجينيا في رحلة من أجمل رحلات قراءة رواية منذ فترة طويلة . يقال أن هذه الرواية أحد أسباب شهرة فرجينيا وقيمتها في عالم الأدب الانجليزي خاصة َ. والترجمة التي حصلت عليها بارعة ودقيقة وجميلة كما تلاحظ في الاقتباسات و كما شهد لها جبرا ابراهيم جبرا .
تعليقات
إرسال تعليق