التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حشوات فارغة 1 ..


ونحن نعيش اليوم عالم من التواصل والاتصالات جعلت العالم كقرية صغيرة يتبادل كل شيء ..ويتعلم كل شيء بأبسط التكاليف وبأسهل الطرق ..حريَ بنا ليس أن نواكب هذا التطور بل نسابقه لنتفوق وننجح ونتقدم ..حريّ أن نجد أثر هذا التطور في أركان ثقافتنا ..

قد تتعجب  عندما تفتح صحيفة عربية وتبدأ بالقراءة فتقرأالاخبار التي تشدك عناوينها والمقالات التي تجذبك رؤوسها ..وتنتقل هنا وهناك ثم تنتهي وتضعها جانبا ..ستضطر حتماً أن تفكر مالذي خرجت به من نصف ساعة أو ساعة من القراءة لتتيقن أنك أضعت وقتك وأنها ليست  إلا إسراف في الورق والحبر وتضييعا للجهد و تحصيل حاصل ...و قد تجد أن مشاهدتك لموجز أهم الأنباء في رأس الساعة ..قد يكون أكثر فائدة ..لقد  أصبحت سلطتنا الرابعة ! ..لاتبحث إلا عن من يحشو لها  سواءاً بحديث فارغ  أو خبر تافه أو مقال هزيل ..لتُعبئ صفحاتها بكل غثاء ..فلا يتابعها سوى من فرغ فكره ..

من فرط جهلي كنت استنكر على أبي أني لم أستقيظ يوما في الصباح وأجده يقرأ جريدة الصباح ..ولقد كان يشترط علينا أن من يدخل جريدة  يومية إلى المنزل بأن يخرجها معه ..

كم كنت محقاً ياأبي..


أتظنون ياقراء ان هذا الوباء لم ينتشر وأنه ظل متمكناً من جسد صحافتنا فقط ؟

لقد اصبحنا نعاينه يبوء كل بؤرة تصدّر ثقافة ومعرفة كل مصدر ينشر وعياً..


لقد عاينته من قريب في جانب آخر عندما دعتني صديقة إلى محاضرة يصنف نوعها "تطوير ذات "..يلقيها الدكتور "فلان الفلاني" الذي لم أكن أعرفه  ..لكن اسمه دائما مايمر بي  ..وكان نشيطا في هذا المجال ..

لقد كان موضوعها شيقاٌ وجذاباً .. ومغرياٌ جدا $كما تُغري النار الفراش$ ..!


تحمست وبذلت أسبابي  حتى حان موعدها وكنت في كامل استعدادي ...دفعت رسومها و كان مقرها بعيدا ..لكن الحماس طوى المسافة .. وعندما وصلت أخرجت مذكرتي وقلمي و أخذت كوب من القهوة واتجهت الى أحد المقاعد الامامية المريحة في استعداد تام ...

بعد لحظات تفاجئت عندما نظرت خلفي.. فقد امتلاءت المقاعد وكان الحضور كثيفاً .!.ابتسمت لأني حضرت مبكرة وظناً مني أن الفائدة ستكون عظيمة ..

 بدأت المحاضرة ..و بدأ* الدكتور في محاضرته ..وكان يغلب على اسلوبه حسه الفكاهي و لحنه المتكرر ..الذي لم يزعجنا حتى زاد عن المعقول واصبحت المحاضرة الهادفة عبارة عن دقائق من التدوين وساعات من اللغو والحشو الغير هادف! ..استمتع بعض الحضور ممن هدفه يقتصر على الشهادة ..  وكان يتحدث اللهجة العامية لا الفصحى ..ويحتج بأن التحدث بالفصحى تكلف وتصنع! .. وبدأت أشك هل أنا حقاً أحضر محاضرة  أم "ستاند اب كوميدي"وزاد الطين بلة "وهو ماأزعجني "أنه يتحدث بلهجة وأسلوب لايليق بمكانته ولايليق بلقبٍ يحمله ..لقد اختفت الجدية وطغت جو من الدَعة.. عرفت حينها أن هذا اللقب يعطي واجهة  براقةّ  لكن لايُعلم ماوراء ستارها  حتى يُفتح .. خرجت وأنا أُعزي نفسي في هذا الواقع المُخجل  ..وأتأمل في شهادة أحملها بلا حق ..


وأقول  لكم :هذا نوع ثانٍ من الشحوات الفارغة ..



وهناك أنواع وأنواع سأحاول ذكرها في حشوات فارغة 2 



هند الصبّار.





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فرجينيا وولف و السيدة دالاوي - مراجعة

رغم كل التحفظ الذي ينتابني من قراءة الأدب الأجنبي ورغم كل أسئلتي الملحة : هل نفهمه ؟ هل نستوعبه ؟ وشكي في ذلك . إلا أن تجربة القراءة العميقة تجعلك على يقين من شيء واحد على الأقل : قراءة العمل الأدبي تجربة شخصية لا أكثر نتائجها شخصية ودلائلها شخصية بحتة . عند الحديث عن فرجينيا لايمكن تجاوز براعة  أسلوبها في الوصف , وفي تفرد شخصياتها , السيدة دالاوي واحد من الأدلة على ذلك . ذلك أنها تشدك , ثم تستفزك ليس فقط بواقعية الأحداث التي تبني من خلالها شخصياتها وإنما إن استطعت القول بتفاهة تلك الأحداث وهامشيتها .والإسهاب فيها , جعلها محورية ومركزية على مستويات متفاوتة.مهما وصلت الواقعية في الكتابة إلى مستوى عال من الدقة ومن التطبيق فهي لاتمثل الواقع كما تقول فرجينيا إلا من جهة واحدة , من وجهة الكاتب فقط من الجهة التي تراها عينه . السيدة دالاوي أو كلاريسيا هي محور هذه الرواية وعلاقتها ببيتر هي العقدة -على الأقل هذا مافهمته - .كل الأحداث كانت من زواية ما تعني السيدة دالاوي ,تتناول الرواية يوم واحد في حياة السيدة دالاوي والأبطال الآخرين , يوم واحد فقط امتلأ بكل هذه التفاصيل . تبدأ ...

مراجعة لكتاب (تغير العقل )

(تغير العقل:  يف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا ) كتاب نشرته المؤلفة سوازن غرينفيلد  في عام 2015 وترجمته إلى العربية سلسلة عالم المعرفة. يتمثل الهدف الرئيس من الكتاب كما تذكر غرينفيلد " في استكشاف الطرق المختلفة التي يمكن أن تؤثر بها التقنيات الرقمية ليس فقط في أنماط التفكير والمهارات المعرفية وإنما أيضا في نمط الحياة والثقافة والتطلعات الشخصية . سوازن سمت كتابها " تغير العقل " قياسا على " تغير المناخ " كما ذكرت في مقابلة مع "الغارديان " حيث تظن أن درجة الخطورة  التي تسببها التقنية على عقولنا توازي مايسببه تغير المناخ  على  الطبيعة من تبعات. جاء الكتاب في مايقارب 350 صفحة مقسمة على 20 فصلا تناول موضوعات تدور حول العقل والتكنولوجيا . ربما لتمر على القارئ العديد من المقالات التي تتناول الوجه السيء من التقنية  والآثار السلبية الاجتماعية والتواصلية لها . لكن ما لفتني في هذا الكتاب أنه يتحدث عن عقولنا قبل وبعد التقنية , مالذي تغيره التقنية في طريقة تعلمنا ؟ وفي مناهج تفكيرنا وفي آلية اتخاذ قراراتنا  ؟ أسئلة مهمة تجيب عنها غرينفلد من خ...

تقييم العمل الأدبي

كنت أتساءل  ما الذي جعل يوليسيس أو دون كيخوته أعمالا أدبية ناجحة ؟ و مالذي جعل قصائد شكسبير لا تتقادم ؟ ما الذي يجعل عملا ادبيا ما عملا جيدا أو عملا ردئيا؟. معايير معينة تخضع لها كل الأنواع منها الجدة والابتكار, الطرح الجيد, التماسك, الوحدة الشكلية, الإبداع الفني وغيرها مع أن لمختلف الثقافات معايير متباينة لتقرير ما الأدب الجيد وما الأدب الرديء إلا أننا نكتشف دائما أن الأعمال الرفيعة هي التي اتفق القراء على جودتها بغالبيتهم. ووجود ضوابط معينة  تمثل حد أدنى لاعتبار العمل الأدبي ناجح وعابر لحدود زمانه ومكانه لايعني أن كل جوانب النجاح في العمل تم ضبطها ومعرفتها لأنه في كل مرة يُقرأ فيها العمل الأدبي قد يظهر شيئا جديدا كان سبب بقاء ونجاح العمل.  لكننا قد نجد بشكل عام أن تلك الأعمال التي توصف بالأدب الرفيع أو الجيد والتي تحصل على اتفاق بجودتها  في الغالب هي ما تناولت ملامح التجربة الإنسانية  التي تتصف بالدوام والتي لا تتغير ولا تفنى , تلك الموضوعات العابرة للزمان والحدود الجغرافية, في الفرح والمعاناة والألم والموت والعاطفة, أو التي تناولت أسئلة كبرى منها ال...