دائما كأنها المرة الأولى

بدأ اليوم .. يجب أن ألحق ... يسأل نفسه ماذ تلحق ؟ ويجيب قاطعا لتفكيره وحازما في ذالك .. ألحق بتلك الأشياء الكثيرة التي تتملأ بها أيامي ، بتلك الأشياء المعتادة التي أصبحت أعملها تلقائيا كما الآلة التي لاتفتأ!  يمضي إلى سبيله متجاهلا تلك التساؤلات التي ماإن يفكر بها حتى تصيبه أعراض غريبة يراها الناظر إليه كآبة أو لامبالاة !

في المكان الذي يسمى مقر العمل يظل ساعات محدقا في شاشة الكمبيوتر يكتب ، يبحث ، يقرأ في أشياء لا تهمه أبدا ، يحذر نفسه من الشرود أو التفكير تماما كأنه يضع القيود فوق رأسه ، ويتسائل لماذا لايستطيع هذا الإنسان الذي غير وجه البسيطة أن يفكر بأمرين في وقت واحد ؟ إن أمره  لعجيب ويردد " ماجعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه " رغم أنه يحذر نفسه ويحاول أن يربط على ر رأسه القيود إلا أنه أفسد ماكان يعمل .. فاضطر إلى إعادة العمل الذي استغرق منه الوقت واكتئب . 
الواحدة ظهرا في شبه طابور من الموظفين يصطف ويحمل صحنا يحاول أن يستكشف من بعيد ما تحمله تلك الأقداح الحديدية التي تمتليء بالطعام ويعترض  : لماذا هذا الفضول ! تلفت نظره باقة التوليب الأحمر ويتأمل لونها العميق الذي تشعر أنه وجبة غنية لتغذية عينيك ويفكر في ماهية الألوان  .. كيف أن اللون هو انعكاس للضوء أي أنه بدون ضوء لايمكن أن توجد الألوان على طبيعتها وكيف أن اللون كان تصنيفا مهما وتنوعا يحتاجه الأنسان ، كيف أن الألوان التي تتكون على القشرة الخارجية للإنسان أو مايسمى البشرة صنفت البشر إلى طبقات  ! و كيف للغة أن تجعل مصطلح " ألوان " مصطلح للتعبير عن تعدد الشيء  " فتقول مثلا : الناس بألوانهم ، ألوانٌ من الطعام وألوان من الشراب وألوان من العذاب "   كيف للون أن يرمز للإنسان والأرض والدولة وحتى القارة ! كيف تنتج عن الألوان فنون عديدة يستعملها البشر لتغذية عقولهم وتغذية بطونهم أيضا ، كيف توضع قوانين للألوان وتنسيقها في الملابس والأثاث والعمارة وكثير من الأشياء ، و كيف تكون مريحة وهادئة وكيف تكون مزعجة وصارخة وهي مجرد ألوان ؟؟ ياإلهي عدت لعادتي السيئة التي تجعل الجميع يُشعرونني بالغرابة عنهم .. كل يوم علاقاتي تصبح جافة  معهم أكثر .. هل أستحق ! لمجرد أنني أفكر في كل شيء ! وكأنني أراه للمرة الأولى ! هل يمكن أن يكون التفكير بكل شيء  هلوسة كما تقول أمي ! هل يجب أن أتحدث وأتفاعل  مع الآخرين فقط ؟  وحتى إن فكرت فيكون تفكيري منحصرا فيما سأقوله وما سأفعله فقط ؟ فقط فقط هل لهذا التفكير أن يتوقف فجأةً مثل " فقط" ولايكون في حالة من الحالات مثلها اعتراضا ؟ يناقش نفسه على الطاولة التي لا يشاركه فيها أحد . 

ويفكر في الإجابة تماما كأنها المرة الأولى !