العبارات التي تصفنا أو تصف أشيائنا بدقة ما كنا نتخيل
أن الكلمات قد تشرحها, وتلك التي تشد انتباهنا وتدهشنا , أو تلك التي نتعجب أن كيف
لم تخطر لنا على بال ؟ وتلك التي من بين كل الأسطر تجعلنا نتوقف لنفكر فيها أو
نبحث عما يوثقها , بأن ندونها خارجا أو نشاركها أو نلتقط لها صورة, لا أحد ينكر
أنها من الأشياء الخاصة والحميمية التي يشعر بها كل قارئ مع كتابه .
لكن مشاهد
كالتالي : صور أسطر مظللة بالمحددات الملونة, عبارات بين علامات تنصيص تجدها يوميا
في حسابات القراء وغير القراء في المواقع
وشبكات التواصل , رؤؤس وذيول وحتى متون تدوينات
ومراجعات عن كتب وغيرها تمتلىء بهذه
العبارات "المنصنصة".قد نتحدث أيضا عن عن تلك الفرحة أو كما نستطيع
تسميتها النشوة التي تعتري القارئ عندما
يجد الاقتباس الذي يظن أنه كان يبحث عنه وأنه
اختصر كل معاني النص وغاياته ,هذا الاقتباس الذي قد يكون
معبرا عن حالة أو عن شخص أو عن شيء , يهرول لنشره واستعراضه والدفاع
عنه . البعض يصل شعوريا إلى مرحلة قد توصف بالبحث عن الكنز, الكنز المكشوف الذي
ينافي طبيعته, ما يجعله يتجاهل أو يهمل الكنز الحقيقي .تجعلك هذه المشاهد وأكثر
تتأمل وتفكر في هذا الأمر ,هل سيجعلنا هذا الاحتفال ننسى القيمة الحقيقية الرمزية ونلتفت
بكل إدراكنا إلى بهرجة العبارات ودلالتها السطحية, أو هل نحن أمام نوع جديد من
القراءة التي قد توصف ب (القراءة بهدف الاقتباس)؟
المواقع
والحسابات التي تختص بالاقتباسات اليوم أصبحت لا تعد ولا تحصى , متابعوها لا يحصون
, الكثير منا مر بفترة من الجفاف الفكري واللغوي الذي جعل منه متعطشا مستعدا لاستقبال وتناول كل اقتباس. حقيقةً وجدتني في
وقت من الأوقات أبحث عن الكتب التي أستطيع أن أجد فيها من الاقتباسات والعبارات
الجاهزة ما يكفي لإثراء ملاحظاتي وأفكاري أو حتى تغريداتي و تدويناتي, تلك
الاقتباسات التي تصف واقعا أراه أو التي أستطيع بسهولة إسقاطها على الواقع. وتلك
التي تنال إعجاب الآخرين وتدعم رأيي في أحد الموضوعات. لكنني أدركت لاحقاً أن هذا
السلوك في اختيار الكتب أو تصنيفها أو حتى في تناول النص ونشره ليس بالجيد, فدور القارئ ليس محصورا في التلقي والنقل فقط, إنما الدور الحقيقي له يكمن
في القراءة الناقدة وتحرير المعلومة والتفكير في الرمز و النظر إلى ما وراء النصوص
والعبارات.
لقد بدأنا نفقد
تلك التعليقات والملاحظات والمناقشات التي تزاحم النصوص الأصلية في مطالعتنا للكتب
, الأفكار التي تنطلق شرحا وتحليلا أو تأييدا و تعقيبا على المخالف منها والمؤيد لأفكار النص, بدأنا نفقد الإحساس والتفكير
العميق بالخلفيات والمتواريات عن وجه النص
الظاهر لنا والبحث عن معناها الكامن , بدأنا نرى الكثير يتناقل الاقتباسات ,يُسلم
بكل مافيها ,ينشرها دون أن يفكر بخلفياتها وبترابط الاقتباس بما هو خلفه وما هو
بعده . عملية الفصل بين النص والاقتباس والتمرد الذي يريده المقتبس للأخير على الترابط
يقلقني جدا.
وقد أتساءل
أيضا هل يمكن أن يكون الاقتباس وسيلة لتبادل ونقل أفكار النصوص بطريقة موضوعية , معبرة
عن السياق الحقيقي ,تساعد على الفهم والإدراك لا على التضليل ؟ حيث أنه من المعلوم
جدا هذا الانفصال سببّ الكثير من سوء الفهم وتأويل النصوص بطريقة مجحفة لما تحمله
في الحقيقة , فكم من الأحكام الظالمة التي صدرت في حق الكتاب والنصوص بسبب مُقتبس مستقصد
التضليل أو حتى مقتبس آخر لا يقصد ذالك .
سيوران كان قد
حذر من المفكرين الذين لا تعمل عقولهم إلا انطلاقا من الاقتباس على حد قوله لكنني
في هذه المقالة أحذر من القراء الذين
يجعلون الاقتباس هدفهم أو أولئك الذين
يروجون ثقافة الاقتباس.
*مقالتي في مجلة قوارئ العدد الرابع
رابط العدد https://t.co/np2KXfgsT7
تعليقات
إرسال تعليق