التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ترويج التقليد !


ربما لاحظت  أنك قد لا تجد  شخص بمهنة متواضعة في مجتمع واعي بحقوق الملكية وضرورة محاربة المنتجات المقلدة  يرتدي ساعة "رولكس " مثلا . أو سيدة دخلها محدود "جدا"  تبادل بين شنط "شانيل" وأحذية "لوبوتان " وحلي "كارتيه" . لأن ذلك المجتمع يعلم أنه لا مكان للمنتجات المقلدة ولا مكان للتفاخر الكاذب. لكنك و يا للعجب تجد هنا في العالم الثالث الكثير والكثير من هذه النماذج. بل تجد من يروجون لهذه الثقافة من المؤثرين الذين هم على مستوى تعليمي وثقافي عالي . في الوقت الذي يحتاج المجتمع من هؤلاء ومن كل الرواد الإعلاميين والمشاهير وأصحاب التأثير رفع الوعي بحقوق العلامات التجارية وحقوق الملكية بكافة أنواعها .إذا قام الشخص بعمل خاطئ,  يتورع عن المجاهرة به أو الإعلان عنه  خجلا من نفسه أولا , قد يكون من المعتبر تجاوز الموضوع . لكن حينما تتحول المسألة من تصرف فردي خاطئ إلى مسألة يُروج لها بين الأوساط ويتقبلها الجميع ويحاول كل فرد اعتبارها من العاديات والمتعارف عليه فهذا مالا يجب قبوله .استنكرت من إحدى المشهورات في شبكات التواصل وهي تروج عبر حساباتها  لـ" الكبي"  والمنتجات المقلدة !  وتدعو  إلى التنازل عن الأصلي وغلاءه الفاحش, وتبرر بأن أسعار السلع الأصلية التي تروج للمقلد منها  فاحشة ! بهذا المنطق أليست الماركات التي تعتبرها السيدة مناسبة السعر هي باهضة ومكلفة بالنسبة لآخرين !! لكن السيدة الكريمة مع الأسف  لا تعلم  أنها تروج لتغييب الوعي الاقتصادي لدى متابعيها, لا تعلم السيدة الكريمة كيف أنها بفعلتها هذه تنتهك حقوقا, وأن هناك جهات تجرم فعلتها . لا تعلم أنها تروج لأمر يدفع الفاشل إلى ممارسة الفشل واحترافه وتحارب في كل مبتكر ومبدع طاقة التجديد والإبداع  .  تمنيت وقتها  لو أن السيدة الكريمة تطلب منهم بدلا من ذلك ترك التبذير وإنفاق أموالهم على ما لا يستحق مثلا .تمنيت لو أنها حثت و عرّفت متابعيها على حقوق الملكية  ودور الفرد المستهلك في دعم وتحفيز الابتكار والمبتكرين وأصحاب العلامات التجارية المميزة بعدم دعم مقلديهم . تمنيت لو أنها تدعو لدعم المصممين والمبتكرين وأصحاب العلامات التجارية الصغيرة التي تتبنى الأصالة والإبداع   .الأدهى والأمر عندما يقتني أحدهم ويتبضع من الماركات المقلدة ويرى أنه عندما يصرح بالأمر ويفصح عن أنها مقلدة سيجعله ذلك أقرب إلى الصدق والشفافية ويحبه الجمهور الذي يفعل ذلك حتما لكنه على عكسه في الغالب يخفي أمر مقتنياته المقلدة ويتظاهر بالعكس. نحن هنا نواجه مشكلة جدية ليست في اقتناء المقلد فقط , إنما  في الترويج له وشرعنة دعم المقلد والمقلدين مما يجعل هذه التجارة البائسة تزدهر على حساب التجارة المبتكرة , القيّمة ,الملتزمة بمعايير قياسية من الجودة والتي يقدم بعضها خدمات العناية مدى الحياة  ! بالطبع لا أؤيد سياسة التسعير التي تعتمدها العلامات التجارية الفاخرة لأنني أعتبر أنها في الأصل غير موجهة إلي , ولأنني على علم بقانون العرض والطلب الذي يحكمها أو تُحّكمه .  لكنني أرى أن تنامي هذا النمط من الاستهلاك الغير واعي هو أمر خطير على الاقتصاد النزيه وعلى مفاهيم الجودة والابتكار والإبداع . تخيل معي كم مبتكر وكم مصمم وكم مبدع سيحجم عن البدء في مشروعات تثري الاقتصاد وتوطنه عندما يرى أن ثقافة الأصلي والحقيقي غائبة عن وعي كثير من المستهلكين , وعندما يرى المقلدين ورواد الغش التجاري يكتسحون الأسواق ويقلدون كل منتج ناجح ويتسببون في خسارة قيمته ! تخيل أن السوق يخلو من هؤلاء المبدعين والمنتجات المبتكرة والتصاميم المدهشة وكل إبداع قادر الانسان على انتاجه , تخيل الطاقات المهدرة والأموال المحولة إلى غير مستحقيها ! تخيل حجم الكارثة .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فرجينيا وولف و السيدة دالاوي - مراجعة

رغم كل التحفظ الذي ينتابني من قراءة الأدب الأجنبي ورغم كل أسئلتي الملحة : هل نفهمه ؟ هل نستوعبه ؟ وشكي في ذلك . إلا أن تجربة القراءة العميقة تجعلك على يقين من شيء واحد على الأقل : قراءة العمل الأدبي تجربة شخصية لا أكثر نتائجها شخصية ودلائلها شخصية بحتة . عند الحديث عن فرجينيا لايمكن تجاوز براعة  أسلوبها في الوصف , وفي تفرد شخصياتها , السيدة دالاوي واحد من الأدلة على ذلك . ذلك أنها تشدك , ثم تستفزك ليس فقط بواقعية الأحداث التي تبني من خلالها شخصياتها وإنما إن استطعت القول بتفاهة تلك الأحداث وهامشيتها .والإسهاب فيها , جعلها محورية ومركزية على مستويات متفاوتة.مهما وصلت الواقعية في الكتابة إلى مستوى عال من الدقة ومن التطبيق فهي لاتمثل الواقع كما تقول فرجينيا إلا من جهة واحدة , من وجهة الكاتب فقط من الجهة التي تراها عينه . السيدة دالاوي أو كلاريسيا هي محور هذه الرواية وعلاقتها ببيتر هي العقدة -على الأقل هذا مافهمته - .كل الأحداث كانت من زواية ما تعني السيدة دالاوي ,تتناول الرواية يوم واحد في حياة السيدة دالاوي والأبطال الآخرين , يوم واحد فقط امتلأ بكل هذه التفاصيل . تبدأ ...

مراجعة لكتاب (تغير العقل )

(تغير العقل:  يف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا ) كتاب نشرته المؤلفة سوازن غرينفيلد  في عام 2015 وترجمته إلى العربية سلسلة عالم المعرفة. يتمثل الهدف الرئيس من الكتاب كما تذكر غرينفيلد " في استكشاف الطرق المختلفة التي يمكن أن تؤثر بها التقنيات الرقمية ليس فقط في أنماط التفكير والمهارات المعرفية وإنما أيضا في نمط الحياة والثقافة والتطلعات الشخصية . سوازن سمت كتابها " تغير العقل " قياسا على " تغير المناخ " كما ذكرت في مقابلة مع "الغارديان " حيث تظن أن درجة الخطورة  التي تسببها التقنية على عقولنا توازي مايسببه تغير المناخ  على  الطبيعة من تبعات. جاء الكتاب في مايقارب 350 صفحة مقسمة على 20 فصلا تناول موضوعات تدور حول العقل والتكنولوجيا . ربما لتمر على القارئ العديد من المقالات التي تتناول الوجه السيء من التقنية  والآثار السلبية الاجتماعية والتواصلية لها . لكن ما لفتني في هذا الكتاب أنه يتحدث عن عقولنا قبل وبعد التقنية , مالذي تغيره التقنية في طريقة تعلمنا ؟ وفي مناهج تفكيرنا وفي آلية اتخاذ قراراتنا  ؟ أسئلة مهمة تجيب عنها غرينفلد من خ...

تقييم العمل الأدبي

كنت أتساءل  ما الذي جعل يوليسيس أو دون كيخوته أعمالا أدبية ناجحة ؟ و مالذي جعل قصائد شكسبير لا تتقادم ؟ ما الذي يجعل عملا ادبيا ما عملا جيدا أو عملا ردئيا؟. معايير معينة تخضع لها كل الأنواع منها الجدة والابتكار, الطرح الجيد, التماسك, الوحدة الشكلية, الإبداع الفني وغيرها مع أن لمختلف الثقافات معايير متباينة لتقرير ما الأدب الجيد وما الأدب الرديء إلا أننا نكتشف دائما أن الأعمال الرفيعة هي التي اتفق القراء على جودتها بغالبيتهم. ووجود ضوابط معينة  تمثل حد أدنى لاعتبار العمل الأدبي ناجح وعابر لحدود زمانه ومكانه لايعني أن كل جوانب النجاح في العمل تم ضبطها ومعرفتها لأنه في كل مرة يُقرأ فيها العمل الأدبي قد يظهر شيئا جديدا كان سبب بقاء ونجاح العمل.  لكننا قد نجد بشكل عام أن تلك الأعمال التي توصف بالأدب الرفيع أو الجيد والتي تحصل على اتفاق بجودتها  في الغالب هي ما تناولت ملامح التجربة الإنسانية  التي تتصف بالدوام والتي لا تتغير ولا تفنى , تلك الموضوعات العابرة للزمان والحدود الجغرافية, في الفرح والمعاناة والألم والموت والعاطفة, أو التي تناولت أسئلة كبرى منها ال...