يحكي فيلم In Time عن حصول تغيير في العالم
يجعل الأشخاص تتوقف حياتهم بعد عام من بلوغهم
الخامسة والعشرين إذا ما فشلوا في تحصيل وقت يضاف إلى حياتهم ذلك أن الوقت يصبح مكان المال في كل شيء . يعيش
الفقراء بأقل رصيد ممكن ويواجهون دائما
خطر الموت جوعا ليس بسبب انتهاء الطعام
بالطبع وإنما بسبب انتهاء الوقت . بينما الأغنياء في قصورهم وأحيائهم الخاصة
يملكون أرصدة ضخمة من الوقت قد تصل لقرون
من الحياة يسأل أحد أبطال الفلم صاحبه ماذا لو كان لديك رصيد لانهائي من الوقت-
كما لو أنه يسأل ماذا لو كنت تملك رصيد لانهائي من المال - ماذا ستفعل به ؟ فيجيبه فورا سأكف عن مراقبته .
قد يجعل الفلم
المشاهد يربط بين إنفاق الوقت وإنفاق
المال والمقاربة بينهم . ومقاربات من هذا القبيل قد تكون مألوفة وواردة للمشاهد
والقارئ . لطالما مرت بنا نصوص و أمثلة وحكم وقصص وكل ما يخطر على البال عن أهمية
استغلال الوقت وقيمته من خلال مساواته بالمال . تراكمت هذه المفاهيم وترسبت وترسخت
ثم زادها مؤخرا النمط الاستهلاكي الانتاجي للإنسان العصري .
يشبه تعامل إنسان
اليوم مع وقته طريقة تعامل الفلم مع الوقت , يشبهه من نواحي كثيرة . فإنسان اليوم متوتر من ضياع وقته دائما يستشعر صرف الدقائق والساعات كما يستشعر صرف الدولارات
هاجس الوقت يحضر دائما قبل أي هاجس إلا هاجس المال ربما . اتساءل ما الذي جعل
هذا الإنسان متوتر مع وقته متوجس من صرفه
وآلية انقضائه .لا يندمج فيه ولا يتصالح
معه. يتعامل معه ك خصم حقيقي لايفتأ تهديدا بإقصائه .
جي ديبور في كتابه
مجتمع الاستعراض يعرض فكرة ( الزمن الدوري -الزائف ) فيقول : هو زمن قد حولته
الصناعة . الزمن الذي يجد قاعدته في إنتاج السلع هو نفسه سلعة قابلة للاستهلاك ,
يتم التعامل مع الزمن القابل للاستهلاك للمجتمع الحديث باعتباره مادة اولية
لمنتجات جديدة متنوعة تفرض نفسها على السوق بوصفها استخدامات للزمن المنظم
اجتماعيا .
أعتقد أن الوسائل
المعروفة لصرف الوقت وتنوعها وتعددها وتوافرها. و الخطة الحياتية المعدة مسبقا لنمط
عيش الانسان المتمدن. والتي تبدأ من سنوات
الدراسة المحسوبة بدقة -12 سنة في المدرسة و5 إلى 7 سنوات في الجامعة – إلى سنوات
الوظيفة و سلم الترقية المعتمد على السنوات السابقة في الغالب والحد الأدنى
والأعلى من العمر للتقاعد وغيرها الكثير , عززت هذه الطريقة الغير متوازنة في
التعامل مع الوقت .
اليوم ترى الكل يبيع
ويشتري وقته فعليا والحزن على ما مضى من
الوقت والهم مما قد يضيع منه مستقبلا هو هاجس فعلي. يتحسر إنسان اليوم مثلا على
الدقائق المهدرة – بحَسَبِه- في وقوفه
بطابور عند صندوق محاسبة محل تجاري. أو اللحظات التي سيضطر أن يقضيها في انتظار
فتح إشارة المرور. هذه الطريقة في التعاطي مع الوقت هي منتجة في ميزان الانتاجية
المادية ربما. لكنني أتصور أنها كارثة على الانسان . الإنسان الذي لا يستطيع أن يعيش وقته و يتصالح في قضائه. تصوري
هذا نتج عن ملاحظات أحدها ربما هو تأمل لحال المحبَطين المتعاجزين أو العاجزين وحتى العاطلين . تأملت كثيرا وتساءلت ألم يكن
هاجس الوقت الذي يتصورن أنه (فات ) على محاولات جدية لتغيير أحوالهم هو ما يعيق
حاضرهم وربما مستقبلهم .
قد أعتبر أن هذه حالة
متقدمة من التأثر بمتعلقات الوقت ومراحله التي قسّمها لنفسه هذا الإنسان المتمدن. لأنك لو لاحظت لوجدت أنه حتى من انضبط في خط الانتاجية المرسوم هذا في نهاية المطاف وعند قرار
التقاعد مثلا غارق في كآبته. نسبة السعادة التي تشير إليها الدراسات عن المتقاعدين
حديثا توضح ذلك. حتى أن بعض الاخصائيين اعتبر أن هذه المرحلة الانتقالية يكون
الانسان فيها أحوج ما يكون إلى احتواء المقربين منه . تماما كما يخرج السجين من
السجن بعد فترة طويلة . فهذا الإنسان المتقاعد ما اعتاد على أن يجد الوقت واسعا
طويلا لكل ماقد فكر أو يفكر بعمله. هذه
الحالة الغير طبيعية تشبه شعور السجين الذي أمضى فترة طويلة في السجن و يُخشى عليه هذا القدر من الحرية عند خروجه. والمتقاعد
أيضا ما اعتاد على هذا الأمر الذي يسمونه البطالة . فراحت مراكز الخدمة الاجتماعية
تصدر البرامج وتضع الخطط التي تُشغل هذا المتقاعد
وتستغل له وقته الذي أصبح عاجزا عن أن يعيشه ويتعايش معه. هذا الانفصال بين الوقت
والإنسان سببّ فجوة عميقة في تكيف الإنسان مع الحياة وفي تقبله لأمور كثيرة متعلقة
بحياته .
هناك فئة حاولت أن
تضيق الفجوة لكنها في الحقيقة عمّقتها. بنشر ثقافة التخطيط الآلي للوقت. و وضع الساعات والدقائق في سجلات وإجراء
العمليات الحسابية عليها. وربط المستقبل بجداول تقيد حرية الشخص في صرف وقته ولو
كان هذا التقييد في لا وعيه . أيضا ترسيخ مفاهيم استهلاكية مثل أن إهمال
الأجندة فشل , عدم الالتزام بالخطط عجز . ينسى
هؤلاء او يتناسون أن الجزء الأكبر من ظروف الإنسان التي تحدد نجاح مسيرته تتحكم بها أقدراه وحظوظه
أكثر من إرادته أو ارادتهم .
عودة للمقاربة
المستهلكة ربما بطريقة أخرى. المال الذي تصرفه لا تحسبه بالكم دائما. عندما تتأمل ستجد أنك
كثيرا ما تقيّم فائدته وتحكم عليه بما كان له من النتيجة والأثر على حالك. أليس
وقتك الذي هو عمرك وحياتك أحق بذلك ؟
تعليقات
إرسال تعليق