عندما ترجح كفة المجتمع على كفة الفرد
يصبح الخطر المحدق بالبشرية ليس في
فرط الميول الشخصية
بل بالعكس في قلتها | ستيورات ميل .
ربما لا ينال أي
مصطلح في أيامنا هذه رواجا مثل ما يناله مصطلح
المشاركة , ولا استخداما مثل ما يستخدم. وربما لو أحصيت المرات التي تستخدم فيها هذا
الفعل لما استعطت عد هذه المرات . في الواقع نحن في أزمة مشاركة , نشارك كل شيء
ونتشارك كل شيء . الوفرة في المشاركة
والتشارك إن لم يكن لها غاية فقد تصبح هي الغاية .
المشاركة في العالم
الافتراضي تختلف عن المشاركة الواقعية , هي أقرب وأكثف وأدق , نحن كل يوم نشارك
تفاصيل نحتاجها و لا نحتاجها ونتشارك تفاصيل تهمنا وتفاصيل لاتهمنا . كل يوم نحن
نقترب أكثر ونتشارك أكثر . نشارك أفكارنا , نشارك مانأكل ومانشرب . نشارك ما يهمنا
ومايعنينا . نشارك سفرنا وإقامتنا , نشارك اجتماعاتنا وأعمالنا , نشارك حتى خططنا
وأحلامنا , نشارك الوقت الذي ننام فيه والذي نستقيظ فيه .تفاصيل لاتنتهي نشاركها
كل يوم بإرداتنا وبدونها . لايمكن ألا نلاحظ هذا ولا نلاحظ تأُثيره علينا . مالذي
تغيره فينا هذه المشاركة المكثفة المنفصلة ولو جزئيا عن الواقع ؟ وعلى ماذا تؤثر؟ وكيف سنتحكم بالقدر المناسب الذي لاينتهك
خصوصيتنا ؟ كيف سنحافظ على الجزء الذي نملكه من الاختلاف عن الآخرين ؟ ذلك الجزء
الذي يشكل انسانيتنا وفردانيتنا ؟ الكثير من الأسئلة لم تجد من يسألها فضلا عن
الإجابة عليها .
بالنظر إلى تدرج تطور طرق التواصل وآليات
المشاركة سنلاحظ كيف أنها تقترب من الواقعية أكثر فأكثر , وصولا إلى " اللايف
" البث المباشر الذي أصبح أسرع وأصفى وأدق وبالتالي أقرب إلى الواقع من أي وسيلة
سابقة . كون هذه الوسائل تدرجت وواكب على الأقل هذا الجيل تطورها وكان بالتالي يملك القابلية إلى طرح الأسئلة تجاهها , والوعي
بالتغير الذي تصنعه على المستويات
الإجتماعية والشخصية . بينا لاتحظى
الأجيال التي نشأت في ظل هذا التطور الوعي بالفرق الذي صنعته .
أحدثت هذه الوفرة في وسائل المشاركة الافتراضية
بالمقابل وفرة في المحتوى المشارك . واختراق لحدود المشاركة التي كانت موجودة.
فأنت اليوم تتشارك الحياة الخاصة للمشاهير وغير المشاهير , تدخل لبيوتهم وتتابع سير أيامهم وتشاهد كل
التفاصيل التي تريد . أحدثت أيضا هذه
الوفرة إبداع في اختراع المحتوى وتشعب لايمكن متابعته ولا تداركه . ولو أن الشخص
سخر حياته كاملة لمتابعة كل شيء يُشارك في مجال واحد داخل هذه الشبكات المختلفة
لما استطاع .
مقابل كل هذا ولن
أقول أنها نتيجةَ له , بات الشخص كل شخص –تقريبا - يبحث عن مساحته الخاصة , ويخطط
لبناء هويته في هذا العالم المتشارك الذي يترابط بشكل مخيف , وبات قريبا من الظن بهذا
-أن المشاركة من واجباته العينية التي لابد منها , وهي شيء يعبر عن المكانة والدور
والأثر - بات مطالب بمشاركة كل ماقد يحصد إعجابا وبالتخلي عن كل ماهو غير مرغوب
وغير مطلوب طبقا لمعايير المشاركة الناجحة والتشارك الفعال في العالم الافتراضي . أين أنا ومن يحيط بي ؟
مالذي يناسب هذا المحيط الافتراضي من الناس ؟ بدأ يختبر المواد لتي يشاركها مالذي
يحصد إعجابات أكثر! مالذي يشاركه الناس أكثر ؟ لم تعد المشاركة حرة ولا تلقائية وهذا مايجعلني قلقة نوعا ما على فقدان تلك الميزة الأساسية للمشاركة : فرادتها و أصالتها.
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذفأزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذفأزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذف